( الرخصة الواجبة عند الأصوليين وعلاقتها بمقاصد الشريعة)

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

قسم الشريعة الإسلامية، کلية الحقوق، جامعة أسيوط

المستخلص

فإن حال المكلفين تدور بين القوة والضعف ، وبين السعة والاختيار والضيق والاضطرار ، والمولى الرحيم الكريم راعى كل الأحوال ، وشرع الأحكام بما لا يشق على العباد ، فالعزيمة لمن كانت به قوة وله اختيار ، والرخصة لمن أصابه الحرج وضاق به الحال ، سبحانه رب الأرض والسموات.
والتشريع الإسلامي بصفة عامة قائم على اليسر والتخفيف ، لا العسر ولا التشديد ، قال تعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر)( ) وهذا ما أراده الله لعباده في كافة الأحوال ، قال سبحانه : ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )( ).
والمكلفين مع ضعفهم في أنفسهم وعزمهم قد يطرأ عليهم العذر ويعتريهم المرض والضيق ، ابتلاء من الله أو رحمة منه بهم ، ليبتلي إيمانهم ، وليختبر صدقهم ، لا ليعذبهم ولا ليضيق عليهم ، فتهب عليهم الرخص الشرعية ، نسيماً عليلاً تخفف عنهم حرج وآلام أداء التكاليف، وتجعلهم في قرب من الله وفي معيته، يتضرعون إليه بالعبادة في يسر، ويرجون باب رحمته بالدعاء.
وما أجمل قول الشاطبي : " لَمَّا كَانَ الْمُكَلَّفُ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ، ضَعِيفًا فِي عَزْمِهِ ضَعِيفًا فِي صَبْرِهِ؛ عَذَرَهُ رَبُّهُ الَّذِي عَلِمَهُ كَذَلِكَ وَخَلَقَهُ عَلَيْهِ؛ فَجَعَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ ضَعْفِهِ رِفْقًا يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ فِي الدُّخُولِ فِي الْأَعْمَالِ، وَأَدْخَلَ فِي قَلْبِهِ حُبَّ الطَّاعَةِ وَقَوَّاهُ عَلَيْهَا ... وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الرِّفْقِ بِهِ أَنْ جَعَلَ لَهُ مَجَالًا فِي رَفْعِ الْحَرَجِ عن صَدَمَاتِهِ، وَتَهْيِئَةً لَهُ فِي أَوَّلِ الْعَمَلِ بِالتَّخْفِيفِ، اسْتِقْبَالًا بِذَلِكَ ثِقَلَ الْمُدَاوَمَةِ، حَتَّى لَا يَصْعُبَ عليه البقاء فيه والاستمرار عليه " ( ).

الكلمات الرئيسية